نعم، سأرحل عن العالم الإفتراضي

تجتاح صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الموريتانية حالة من الغضب والحزن والحيرة والتضامن، وذلك بعد أن قام الشاب مزيد ولد الشيخ بكتابة رسالة إلى أبيه على صفحته على فيسبوك يتحدث فيها عن نيته تعطيل حسابه حتى يرضى عنه والده. وذلك بعد أن قامت مجموعة من “المتدينين” بتكفيره وبطباعة مناشير كتبها على فيسبوك والذهاب بها إلى والده ليقوم والده بعد ذلك بمطالبته بترك كل شبكات التواصل الاجتماعي والكف عن الكتابة. وقامت والدته كذلك بالبكاء له من أجل أن يتركها ونادت، عبر صفحتها، الكل بأن يتركون إبنها وشأنه.

صورة للشاب مزيد نشرتها مدونة التاسفرة
صورة للشاب مزيد نشرتها مدونة التاسفرة

وقد خاطب مزيد والده قائلاً:

“نعم، سأرحل عن العالم الإفتراضي، وسأحذف حسابي من الفيس بوك بشكل نهائي، كي أريح ضميرك يا أبي ..

إليك يا أبتاه .. أكتب هذه الحروف بدمعي السخين الذي أسكبه الآن بمرارة لم يسبق أن سكبته بها قبل اليوم ..

بكت عيني اليسرى فلما زجرتها // عن الجهل بعد الحلم أسبلتا معا

إليك أبتي .. أجدد لك كامل محبتي وامتناني وعرفاني بالجميل ..

أحبك يا أبي .. وقد كان بودي أن أن أكون شيئا تفتخر به، أو رجلا صعلوكاً تعتز به، يعينك على نوائب الدهر ويشارك في حملات تواصل ..

لكنني للأسف، خبتُ، وخاب فيَّ ظنك .. دون قصد مني ..ودون سبق إصرار ..

أنا يا أبتي لم أقترف كبائر ولا موبقات بحجم ما صوره لك “الضمضميون” ..

أنا ابنك الذي ربيته على حب الخير للناس، والوقوف مع المظلومين ..”

وأضاف:

“ألا يدرك هؤلاء أنه الرحمة المهداة للعالمين ..؟!

بأي جريرة يجمع بعض شيوخ “بني إخوان” تغريداتي ومنشوراتي على الفيس بوك ويطبعونها في كتاب ويأتونك به في بيتك ومحرابك ليقنعوك بأن ابنك كافر وملحد ومرتد وزنديق وشيطان ..؟

أبتاه .. هل يمتلك هؤلاء الحق في تأويل وتفسير وتنزيل وتفكيك ما أكتبه وفق ما تمليه عليهم أمزجتهم المريضة وفهمهم السقيم وفكرهم العقيم..؟

هل يريد هؤلاء الساعون بالفتنة أن يخصخصوا الدين ويحولوه إلى شركة للتأمين، يبعثون بشرطتهم لتوقيف كل من لم يشترك أويدفع ثمن اشتراكه؟

أنا مسلم يا أبي، ومؤمن بالله إيمانا خالصاً له .. وأَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ.

أنا لن أتاجر بديني، ولن أبيعه في سوق النخاسة السياسية ..”

مزيد الشيخ هو أحد الشباب الموريتاني الناشط على شبكات التواصل الاجتماعي الذين يكتبون كتابات يعتبرها البعض جريئة وفيها خروج على التقاليد الموريتانية. يعرف نفسه أنه من أتباع ماركس ومن المنتمين لمدرسة اليسار الموريتاني، و من المفارقة أن والد الناشط الشاب مزيد هو محمد لمين ولد مزيد أحد أبرز منظري التيار السلفي في موريتانيا ويعرف عنه التشدد في الخطاب الديني ولديه انتقادات كثيرة للديمقراطية.

قصة الشاب مزيد ليست الأولى، فقبل أيام قامت مجموعة من العلماء الموريتانيين بإصدار وثيقة حول الردة والخروج عن الدين الإسلامي تبين حسب اعتقادهم الخطوط الحمراء التي لا يجب على المسلم بلوغها وتخطيها، واستشهدوا فيها بمقاطع من إدراجات للناشط الموريتاني العتيق صاحب صفحة الناقد العربي على فيسبوك المثيرة للجدل. وكذلك كتب أكثر من ناشط على الشبكة أنه تم الوشاية بينه وبين أهلهم من طرف بعض أتباع رجل يدعونه بالدجال الشيخ الرضى، وأن الأخير أصدر لائحة بأسماء بعض الملحدين الموريتانيين، وقامت كذلك إحدى الناشطات بتعطيل حسابها في صمت بعد ضغوط عائلية عليها.

بدورهم قام بعض النشطاء المحسوبين على التيار المدني في موريتانيا بإطلاق مبادرة أعطوها اسم “مبادرة الحقوق والحريات” وذلك كنوع من رد الفعل على صعود الخطاب المتشدد في موريتانيا وكذلك حالات التكفير المتتالية للنشطاء على الشبكة، وعبروا خلال بيانهم أنهم يتخوفون من أن يفقد المجتمع الموريتاني طابعه المتسامح الذي عرف به وأن يسيطر الخطاب المتطرف الداعى إلى إقصاء الاَخر ونشر الكراهية والتخلف.

لكن هناك بعض النشطاء على الشبكة اعتبروا أن حالات التكفير وبث الخطاب المتشدد تقف وراءه المخابرات الموريتانية من أجل صد الشعب عن المشاكل الاقتصادية وقضايا الفساد والنهب الممنهج للثروة وأزمة الشرعية في موريتانيا (موريتانيا الاَن تعيش في ظل برلمان أفرزته انتخابات تقاطعها المعارضة وتفوح منها رائحة التزوير) وإلهائه بتفاصيل تخدم النظام وتضر بمستقبل الدولة وكذلك من أجل إرهاب النشطاء وتخويفهم من مقصلة تهم التكفير التي قد توجه لهم في أي لحظة.

قصص التكفير على الإنترنت وفتاوى العلماء حول الردة فتحت النقاش حول قضية حرية المعتقد في موريتانيا ومدى ترسخ الفكر الديمقراطي بين نخب الشعب الموريتاني وماذا ينتظر أصحاب الفكر المختلف في موريتانيا من صراعات مع اليمين المحافظ.

 

3 تعليقات على “نعم، سأرحل عن العالم الإفتراضي

  1. ان هذه الحملة التي يقوم بها بعض النشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي الموالين النظام والتي تسعاء جاهدة لإقصائنا من هذ العالم لافتراضي لن تصدنا عنه عن البوح بالحق والوقوف إلى جانب المظلومين،
    ولن تضل جموح قادها “مزيد“ فنحن لن نسكت ابدا على مافعلون لإقصاء زميلنا ورقيف دربنا من هاذ العالم الذي هو بحاجة إلى شباب مثله.
    فقد راينا في الأونة لاخيرة الكثير من خطابات التكفير التي لا وجود الها أصلآ بل إنما هي جزء من هذه الحملة الوضيعة مثل من يقوم بها من العمالة أي كلاب النظام المفترسة لكن فليعلم كل كلب منهن ان الكلاب تخاف الظباع كعادتها والعادة كالشرع عند جميع الموريتانيين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *