كلمة إفتتاح المؤتمر الختامي

POSTER ab14 on fire

 

تأسست بغداد نحو منتصف القرن 8 (حوالي 760 بعد الميلاد) كعاصمة للدولة العباسية.

تاريخ المدينة كان سيكون مختلفاً لولا أن الخليفة أبو جعفر المأمون لم يقرر تبني العلم والمعرفة خلال تلك الفترة كأساس لحكمه مما أطلق العنان لنهضة (أو عصر أنوارٍ ) سيمتد لفترة 300 سنة تلت.

نمت بغداد لتصبح أكبر وأجمل وأغنى مدينة في العالم في غضون 50 عاما فقط من نشأتها، تجلب إليها ألمع العقول والمواهب من كل جنس ومكان.

روح التسامح وحرية التعبير والانفتاح تجاه الديانات والثقافات والأفكار التي طبعت تلك الفترة أطلقت العنان للطاقات الكامنة داخل الناس وجلبت إلى بغداد أناس من خلفيات مختلفة: المثقف والعالم والمتدين والمشكك … كلهم يتبادلون الأفكار بحرية.

خلال تلك الفترة القصيرة انشئ “بيت الحكمة” (أو ما يمكن وصفه بجد غوغل) في بغداد ليصبح مركزا دولياً للمعرفة. و ل700 سنة قادمة ستكون اللغة العربية هي لغة العلم – كما يتضح من أسماء العديد من النجوم وبعض الأدوات التكنولوجية القديمة والمبادئ في الرياضيات والطب إلخ…. كلها من تلك النافدة الصغيرة تاريخياً.

بدأ التراجع بانغلاق العالم العربي على نفسه إبتدأ من القرن 12: فجأةً أصبح الأجنبي ينظر إليه بريبة – فجأةً أصبح العلم يعتبر من عمل الشيطان. بخلاف بعض الاستثناءات النادرة إستمر ذلك لمدة 9 قرون كاملة من الاستبداد والشمولية و من تدمير لإمكانات الناس وطاقاتهم.

أعتقد أن لحظة الانترنت هي لحظة مهمة في تاريخ هذه المنطقة لأنها فتحت فرصةً نادرة لبعث روح الحرية والتسامح والانفتاح على الأفكار وتبادلها و التي ميزت بغداد خلال العصر الذهبي.

أعتقد أن لا أحد يدرك هذا أفضل من النشطاء والمدونين الذي كانو رائدين في استخدام الإنترنت لاستعادة الفضاء العام واستخدامه لتبادل الأفكار ولغرض المشاركة السياسية و المدنية.

لكن الرياح المضادة تعصف بقوة.

فقد أدركت الأنظمة و المصالح المرتبطة بها بعد الثورات العربية أن الانترنت قد يشكل خطراً عليها. وما أدل على ذلك ملايير الدولارات من المال العام التي تصرف لإقتناء آخر تكنولوجيا المراقبة و الترصد.

تبدل جهودٌ كبيرة أيضاً لإعادة إنتاج قوانين قمعية كوسيلة لفرض الرقابة و لخنق حرية التعبير على الانترنت.

هناك اليوم هجمة غير مسبوقة على النشطاء عموماً والنشطاء الرقميين خصوصاً. نفكر في زملائنا واخواننا في السجن باسل الصفدي وعلاء عبد الفتاح، اللذين تم اسكاتهما، ليس لأنهما ارتكبا جريمة ولكن لأن وجودهما في حد ذاته يشكل خطرا على تلك الأنظمة. جرأتهما و شجاعتهما ترعب تلك الأنظمة الضعيفة المتظاهرة بالقوة و التي لا تجد من سبيل لضمان مصالحها إلى من خلال الاعتقال و العنف.

قد يقول البعض أن معركة الحرية  -بالخصوص على الانترنت- قد حسمت لصالح الاستبداد. لكننا نحن المدونون العرب نقول غير ذلك. انظروا من حولكم داخل هذه القاعة : هذه هي وجوه المستقبل.

لأربعة أيام إنضم إلينا هنا في عمان نخبة من النشطاء و الفنانون و المدونون. هنا زرعنا بذور غد أفضل – مستقبل حيث الحرية الفردية (بشكل عام) وحرية التعبير (بشكل خاص) تشكل لبنات مجتمع عربي مستنير جديد – أو بصيغة أخرى ….. بغداد الجديدة.

تحية :

تحية لروح علي شعث، مؤسس مؤسسة التعبير الرقمي العربي في مصر و الذي رحل عنا قبل اسابيع. علي كان معنا برفقة زوجته رنوة في مؤتمر المدونين العرب في تونس وقد كرس حياته لنشر ثقافة التكنولوجيا المفتوحة في العالم العربي. لن ننساك علي.

هشام المرآة، مدير دفاع الأصوات العالمية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *