ما بعد الربيع…
أتذكر جيداً اللحظة التي علمت فيها عن هروب بن علي من تونس.
كما كان الحال بالنسبة لعدد كبير من رواد الإنترنت العرب، كنت قد قضيت الاسابيع السابقة أتابع الأحداث المتتالية على المواقع الاجتماعية بشغف وقلقٍ متزايدين.
أدرك الكثيرون آن ذاك، من من كانوا يؤمنون مثلي بقدرة الإنترنت على قلب قواعد الإعلام والحشد السياسي والنضالي، على أن ثمة شيء غير عادي قد حدث.
نعم، أحسسنا بالحماسة وبنشوة التغيير وأن المستحيل أصبح يبدو في متناول اليد، لكن تملكنا أيضاً شيء من الرعب.
كنا ندرك أن أدوات الاتصال والمناصرة الجديدة التي برعنا في استخدامها، قد تنقلب إلى أسلحة تهدد أغلى ما نؤمن به من حريات وديمقراطية إن هي وقعت بين الأيدي الخطأ.
قد يطول الحديث عن ما إذا كانت الثورات العربية أمراً جيداً أم لا في ظل المأساة التي تعيشها سوريا والأزمات السياسية التي تكاد لا تنتهي في مصر أو تونس أو ليبيا.
قد نتفق أو لا نتفق على مدى الدور الذي لعبه الإنترنت في تلك الثورات.
قد يقول البعض أن تلك التغييرات السياسية كانت ستقع حثماً في المنطقة العربية بغض النظر عن وجود الإنترنت من عدمه.
كل ما نعرفه، وما أكدته السنوات الثلاث التي تلت إنطلاق الشرارة الاولى في تونس، هو أن الحكومات العربية أدركت الدرس.
ملايين الدولارات تصرف اليوم في المنطقة لحيازة أحدث تكنولوجيا التجسس والترصد على الإنترنت – تكنولوجيا غالباً ما يتم الحصول عليها من شركات متخصصة، بعضها يوجد في دول تدعي الديمقراطية.
مشاريع قوانين تدرس هنا وهناك للحد من حرية التعبير على الإنترنت وفرض الرقابة على محتوى الشبكة.
العديد من النشطاء يتعرضون لهجمات رقمية تكاد تكون يومية تستعمل أحدث البرمجيات الخبيثة.
“جيوش” إلكترونية يتم تعبئتها لمضايقة ومهاجمة النشطاء المؤيدين للديمقراطية على منصات وسائل الإعلام الاجتماعية.
مدونون يتم الزج بهم في السجون بسبب مقالات أو تعليقات على الإنترنت.
هناك بالتأكيد إدراك من طرف هذه الحكومات على أن هياكل السلطة والامتيازات التي تم انشاؤها على مدى عقود، بل قرون، يمكن أن يشكل فضاء الكتروني عمومي حر، على الأقل تحدياً بالنسبة لها.
وما أدل على ذلك هو إنفاق تلك الحكومات لمليارات الدولارات من المال العام، في محاولة لإعادة إنتاج نفس الهياكل القمعية على الإنترنت.
ما كشف عنه إدوارد سنودن مؤخراً من برامج سرية تقودها حكومة الولايات المتحدة لمراقبة واسعة النطاق للإنترنت على المستوى العالمي قد عزز بالتأكيد تلك الأنظمة في المنطقة في قناعتها بالاستمرار في نفس السياسات المضادة لحرية التعبير وحقوق الانسان.
الإنترنت الذي نصبو إليه…
يصعب الإجابة بسهولة على هذا السؤال، لكننا في الأصوات العالمية نبقى متفائلين بالمستقبل، لأننا نؤمن بقدرة مستخدمي الإنترنت العرب على الابداع، ولأننا نؤمن أيضاً أن الإنترنت غير قابلٍ للرقابة والحجب إن تظافرت جهود النشطاء والمستخدمين عموماً.
تمثل الأصوات العالمية أكثر من 1300 متطوع موزعون عبر أنحاء العالم الأربعة من بينهم فريق عربي نشيط من كتاب ومترجمين.
يجمعنا الإيمان بحرية التعبير على الإنترنت وخارجه، ليس فقط كحق أساسي كوني ولكن كذلك كدافع لازدهار وتقدم الانسان أينما كان.
نؤمن أن المستعمل العربي، كمثله في أي بلد آخر في العالم، من حقه الوصول والاستخدام الآمن للإنترنت كمساحة لتعزيز وحماية حقوق الإنسان دون تمييز أو رقابة.
نؤمن أن من حقه التماس وتلقي ونقل المعلومات على شبكة الإنترنت دون تدخل أو مراقبة.
نؤمن أن من حقه التمتع بالخصوصية على الإنترنت بعيداً عن كل مراقبة بما في ذلك الحق في التحكم في كيفية جمع البيانات الشخصية، وطريقة استخدامها، الكشف والاحتفاظ بها أو التخلص منها.
نؤمن بأهمية تشجيع الابتكار والمحافظة على البنية التحتية للإنترنت حتى تشكل حقوق الانسان الأساس القانوني الذي تعمل عليه الشبكة.
نؤمن أن حوكمة الإنترنت يجب أن تتم بطريقة شفافة وأن تشمل بالضرورة كل الأطراف من حكومات وقطاع خاصٍ ومستخدمين.
ملتقى المدونين العرب…
لكن الايمان بهذه المبادئ لا يكفي لضمان تحققها… خصوصاً في منطقتنا العربية.
لذلك توخت الأصوات العالمية بشراكة مع منظمة هينريش بول تنظيم ملتقى المدونين العرب الرابع في العاصمة الأردنية عمان، من 20 إلى 23 يناير/ كانون الثاني، 2014.
سيضم الملتقى مجموعة متنوعة من الفاعلين العرب المبتكرين، المقتنعين بفكرة إستعمال الإنترنت كأداة لإشراك مجتمعاتهم المدنية على نطاق واسع.
يتوخى الملتقى أولاً فتح المجال أمام النشطاء العرب لتبادل التجارب والخبرات ثم تمكينهم في مجالات حساسة مثل فن التعاطي مع البيانات، الأمن الرقمي أو التنظيم والقيام بالحملات.
يهدف اللقاء، أخيراً، إلى أن يخرج كل مشارك بأفكار محددة على الكيفية التي يمكن أن يأثر بها إيجاباً على وضع حرية الإنترنت في بلاده والمنطقة العربية عموماً.
لتحقيق تلك الأهداف تم تصميم الاجتماع على مبادئ تشاركية: أي أن معظم اللقاء سيقوده المشاركون أنفسهم.
لأن الإنترنت ليس ملكاً لأحد… بل هو ملك للجميع
في مواجهة الصعوبات والمخاطر المتزايدة التي تحول دون إستعمال الإنترنت كفضاء حر وآمن، يبقى تبادل الخبرات والتجارب والتعلم من نجاحات وإخفاقات بعضنا البعض أحن طريقة للدفاع عن حقوقنا على الإنترنت والمضي قدماً نحو تحقيق المبادئ التي نصبوا إليها.
آمل أن يكون ملتقى المدونين العرب الرابع خطوة في هذا الاتجاه حتى يأخد المشاركون ما تعلموه الى مجتمعاتهم من أجل التحسيس بأهمية الفضاء الرقمي كفضاء عمومي يملكه الجميع.
**
هشام المرآة، مدير موقع دفاع الأصوات العالمية
الصورة من تصميم خالد عبد البيه – مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي – النسبة الثانية